الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موسكو تستخدم درعا "ورقة تفاوضية" وتحولها من ضامن إلى وسيط "مسيّس" 

موسكو تستخدم درعا "ورقة تفاوضية" وتحولها من ضامن إلى وسيط "مسيّس" 

09.08.2021
القدس العربي


القدس العربي 
الاحد 8/8/2021 
دمشق ـ "القدس العربي": لم يتوان الجيش الروسي منذ تدخله العاجل في آواخر عام 2015 لإنقاذ النظام السوري من السقوط، من استخدام أعتى أسلحته المدمرة لضرب المدن والبلدات السورية المناهضة للأسد بهدف إيقاف تقدمها ومنعها من حسم المعركة، حينها لم تكن موسكو طرفا ضامنا ولا وسيطا في المشهد السوري، بل كانت وفق خبراء شريكا أساسيا للنظام في استباحة الدماء السورية، مقابل الحفاظ على مصالحها وتحقيق المزيد منها، إضافة إلى انتزاع عشرات العقود الاقتصادية من دمشق وتوسعة النفوذ مقابل حماية بشار الأسد ونظامه. 
 
إلا أن التطورات الأخيرة في محافظة درعا جنوبي سوريا، أظهرت دورا روسيا يختلف أقله إعلاميا عن عهدها السابق، وتعمدها تعويم ثقلها كـ "طرف وسيط" بين النظام السوري وإيران وبين أبناء درعا والمجموعات المقاتلة التي لا تزال تحافظ على أسلحتها الخفيفة في أحياء درعا البلد، وفقا لاتفاق التسوية الذي أبرم منتصف حزيران/يونيو 2018 عقب تفاهمات روسية-أردنية-إسرائيلية وإدارة ترامب، أدت إلى تسليم قوات الجيش الحر حينها لكافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، والإبقاء على الخفيفة فيها، وتهجير عشرات الآلاف نحو الشمال السوري، مقابل إعادة بسط نفوذ الأسد وروسيا من جديد على المنطقة التي تعتبر من إحدى مناطق خفض التصعيد في البلاد. 
أحداث درعا الأخيرة، أظهرت رغبة شديدة من أربعة أطراف للتوجه نحو الحسم العسكري، وهم الفرق العسكرية الموالية لبشار الأسد، والفرقة الرابعة التي يديرها ماهر الأسد شقيق رأس النظام، إضافة إلى إيران وحزب الله اللبناني، حيث تناوبت القيادات الأمنية والعسكرية الموالية لطهران على إفشال المفاوضات مع اللجنة المركزية وهي الجهة المفاوضة والممثلة لأحياء درعا البلد. 
في حين دخل الروس على المشهد من خلال شخصيتين وهما، الضابط أسد الله، وهو قائد شيشاني الأصل "مسلم" يتبع للقوات العسكرية الروسية، والشخصية الثانية هو الضابط ألكسندر زورين مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، ويُعرف بـ "رجل المهمات الصعبة" وفي مهمته الجديدة إلى محافظة درعا التي زارها مؤخرا، والتقى أحمد العودة- قيادي سابق في المعارضة السورية، أبرز قياديي الفيلق الخامس المدعوم من روسيا في الجنوب السوري. 
بدورها، قالت مصادر خاصة لـ "القدس العربي" أن القيادي أحمد العودة نجح خلال الأيام الماضية عبر روسيا من منع الفرقة الرابعة وقوات إيران من اقتحام أحياء درعا البلد، إلا أن تلك الأطراف ما زالت تعرقل أي جهود للتسوية، وتهدد بحملة عسكرية، ما لم يرضخ الأهالي لكافة مطالبهم. 
تحول روسي مسيّس 
مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني، قرأ الموقف الروسي من تطورات الأوضاع في درعا، بأن موسكو تسعى لإنقاذ المشهد وكذلك دورها في المحافظة، لكنها لم تنجح حتى الساعة في تنفيذ تعهداتها والتزاماتها أمام أهالي المنطقة أولا، وثانيا أمام الفصائل التي أصبحت ضامنا لها. 
فيما تظهر التطورات في درعا، أن النظام السوري يرغب بفرض شروط أساسية، تتعلق بتسليم السلاح واحتكار أمن المنطقة في يده، ومن الواضح أن روسيا تدير هذه التحركات من الخلف، وتستخدم القوات المدعومة إيرانيا للضغط على السكان المحليين في درعا، لتعديل شروط التسوية التي تم توقيعها عام 2018 خاصة البند المتعلق بالسلاح الفردي. 
مشيرا إلى أن أبرز أهداف الحراك الروسي بدرعا، يتمثل في مساعيها على دورها كـ "وسيط" وليس كـ "ضامن" وهي تقصدت هذا التحول في مواقفها لغايات عدة، أهمها: إرسال رسالة تفاوضية إلى كل من النظام السوري وإيران، بأن اليد العليا في الجنوب السوري هي لروسيا، وأن عدم تدخلها هناك، مؤشر على عجز دمشق وطهران عن حسم المعركة وفشل في فرض سيطرتهم على المحافظة. 
كذلك فإن موسكو، من خلال إتباع هذه السياسة، فهي تخاطب دول الجوار السوري والقوى الإقليمية، بإن عدم تحركها سينتج عنه لاحقا خسارة المعارضة السورية للمناطق المتواجدة فيها. 
كما رأى سرميني أن الدور الروسي -فاعل – وأحد العوامل الأساسية في ضبط المشهد، إلا أن موسكو تستخدم درعا وغيرها من المواقع السورية كورقة تفاوضية تسعى من خلالها لإقرار حلها السياسي، لكن الوقائع الميدانية تشير إلى عدم قدرتها في المضي قدما حتى على صعيد تنفيذ المقررات الجزئية من الاتفاق، وهو ما انعكس بإغلاق معبر "نصيب" الحدودي مع الأردن. 
تراجع روسي يقابله توسع إيراني 
واستطرد مدير مركز "جسور" للدراسات قائلا: عندما يتراجع الدور الروسي ميدانيا، يصبح النفوذ الأكبر في الجنوب السوري، لإيران والأطراف الموالية لها، وتصبح المنطقة مهددة بشكل كبير، وهو ما سينعكس بتهديد على دول الخليج العربي، وخطرا يتجاوز الحدود الجغرافية السورية. 
كما أن أي تسوية تحتاجها روسيا وتجنب المعارضة في درعا المواجهة الصعبة، لن تكون في مصلحة إيران التي تحاول تحقيق سيطرة أكبر جنوب سوريا، وأي تسوية ستعتمد على دور أكبر للواء الثامن، مع احتمالية تهجير مجموعات إلى الشمال، على أن التسوية لا تعني عدم لجوء روسيا للضغوطات مستقبلا. 
سرميني، اعتبر أن المعركة بالنسبة لأبناء درعا، معركة وجود، كما أن تجنب روسيا لحدوث أزمة هجرة نحو الأردن أو إزعاج إسرائيل يجعل المعركة صعبة بالنسبة للنظام السوري كما هي صعبة لمقاتلي المعارضة هناك بسبب الفارق الكبير بالتسليح والعتاد والدعم الحربي، لذلك فمن المرجح الوصول لتسويات يقبلها الطرفان. 
كانت هناك تحركات سياسية جعلت روسيا تقلق من أي دور للولايات المتحدة بدعم المعارضة جنوب سوريا للضغط على إيران، حيث درعا البوابة المناسبة لذلك، إضافة للاستياء الروسي من فوضى رفض الانتخابات الرئاسية في درعا والسويداء. 
السياسي السوري درويش خليفة، أشار إلى لعب موسكو لدور جديد حتى الساعة خلال التطورات المتلاحقة في محافظة درعا، من خلال انتهاجها لسياسة عدم فرض أي قرارات على النظام السوري أو إيران، أو حتى اللجنة المركزية الممثلة لأهالي درعا البلد. 
مشيرا بتصريحات أدلى بها لـ "القدس العربي" إلى إدخال موسكو، قيادة الفيلق الخامس "وهو قوى محلية موالية لروسيا" إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يظهر رغبة روسية بوجود دور لقائد الفيلق أحمد العودة في إدارة المنطقة، بالتالي تنفيذها لتعهداتها أمام الدول التي كانت جزءا من اتفاق عام 2018 في المحافظة. 
كما أشار المصدر، إلى أن تماهي روسيا مع دور الوسيط لا ينجح في غالبية التجارب، معللا ذلك بوجود حاجة روسية للميليشيات الإيرانية وكذلك الفرق العسكرية التابعة لجيش النظام السوري والمصنفة ضمن الفرق الموالية لإيران في البلاد كـ "الفرقة الرابعة" التي يديرها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام. 
درعا كسرت الحلف الثلاثي 
السياسي السوري، اعتبر أن أطراف النظام السوري "روسيا وإيران" ليسوا كتلة واحدة في درعا، حيث إن دمشق وطهران هم ضمن خندق واحد، في حين أن روسيا اختارت مكانا مختلفا لها، وهو ما يجعل قوة إيران والنظام السوري أقوى من حليفتهم روسيا، حيث يستخدمون ذريعة وصولهم إلى مشارف الحدود مع إسرائيل، كوسيلة دعائية أمام جمهورهم تمهد لهم استباحة الجنوب السوري تحت تلك الذرائع. 
في حين أن روسيا، تحاول الظهور بمظهر أكثر اعتدالا على اعتبارها الجهة التي صاغت وحملت مسؤولية اتفاق عام 2018 وهو ما أجبرها على لعب دور الوساطة للحفاظ على اعتباراتها أمام بقية الأطراف الدولية التي شاركتها في ذلك الاتفاق، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي طالبت مؤخرا بعودة الهدوء والأمان إلى الجنوب السوري. 
روسيا تخشى الغضب الدولي 
الباحث في الشأن السوري ونزاعات الشرق الأوسط فراس فحام رأى في تدوينات له عبر منصة "تويتر" أن الحراك الروسي في محافظة درعا، يرمي لتعزيز مكاسبها. 
في حين أن المقاتلين السابقين في الجيش السوري الحر تعرضوا لضربة قوية عام 2018 بوقف الدعم الدولي عنهم، واضطروا للمناورة والاستفادة من الهوامش المتاحة لمنع دخول النظام السوري وإيران للمدن والقرى في درعا. 
وكذلك لا ترغب روسيا- وفق المصدر، باستفزاز إسرائيل وتهديد المصالح المشتركة في سورية، خاصة العمل معا في البحر المتوسط. 
كما أن روسيا، عزفت عن إشراك سلاح الطيران في المعارك التي قادتها قوات النظام وإيران ضد أحياء درعا البلد، رغبة منها بتجنب إغضاب الأردن، وخلق أزمة إنسانية على حدوده، خاصة بعد تحركات الملك الأردني لتعويم النظام السوري على الساحة العربية. 
إلا أن موسكو ومن خلال إفساح المجال لميليشيات إيران بالتحرك، تسعى للضغط على سكان درعا للقبول بالتسوية الجديدة، وتحاول إقلاق الأردن وإسرائيل من تمدد ميليشيات إيران، وبالتالي دفعهما للضغط على المقاتلين المحليين للتفاهم مع روسيا، وأن الرسالة الروسية للجميع "إما التفاهم أو عصا إيران". 
الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي، نوه إلى أن التطورات الحالية في درعا، جاءت كنتيجة طبيعية لحالة الانسداد أو الفشل التي اتسم بها مسار التفاوض بين اللجنة المركزية والأجهزة الأمنية التابعة للنظام، طبعا فإن هذا الأمر متوقّف على نتاج ثلاث سنوات من الكبت والضغط المتبادَل. 
لم يسعَ النظام لحل المشاكل المتشابكة في درعا، بل كان موقفه من السكان واضحا منذ البداية، فهو يريد إخضاع المنطقة بكل ما فيها لسلطته بهدف إعادة إنتاج "القطيع" الذي شذّ عن رعايته ورؤيته. 
لذلك لم تقتصر المشاكل على المدنيين وإنما ظهرت مشاكل اللواء الثامن مع جيش النظام وأجهزة الأمن وميليشيات إيران، وليس آخرها موقف الناس من رفض إجراء اقتراعات للانتخابات الرئاسية فيها، وإغلاق العديد من مراكز الاقتراع جراء ذلك. 
يشاع أن روسيا ضد إيران في درعا، وأنها تسعى لإيقاف النزاع، إلا أن ما يريده النظام من الحملة هو ذاتُ ما تريده روسيا من أهل درعا، أي تسليم السلاح وحصر انتشاره في المنطقة بيد أجهزة الأمن السورية. 
هذا الأمر يضع إشارة واضحة إلى أن لروسيا مصلحة في هذه المعركة، إلا أنها وفق ما قاله عرابي لـ "القدس العربي" تخشى من تدهور الأوضاع إلى مواجهة شاملة قد تعيد تفعيل دعم الفصائل المسلحة مجدَّدا في منطقة الجنوب. خاصة إذا ما تمدّدت إيران بشكل علني وواضح فيها، وهذا يفسر حقيقة عدم استخدام الطيران الروسي لغاية اللحظة في المعركة، وإنما الدفع بأرتال قوات الفرقة الرابعة المدعومة من إيران بشكل مباشر. 
إلا أن المعارضة تفتقر للسلاح والعناصر التي تستطيع من خلالها إنزال هزيمة قاسية بقوات النظام، التي ليست في وارد تحقيق نصرٍ سهل ضد قوات المعارضة وهذا ما يدفع المشهد للتعقد في المرحلة المقبلة.